منى أبوحمور
عمان- كعادتها، تحتفل السبعينية رويدا محسن، كغيرها من الأمهات، في الحادي والعشرين من آذار (مارس) ، من كل عام، مع أبنائها وأحفادها.
وتنهمر ذكرياتها، المختلطة بمشاعر أمومتها، وهي تقول "في هذا اليوم، أتذكر أول يوم أصبحت فيه أما، وكل الأحداث التي مرت بي، وما واجهته من متاعب، حتى أرى أبنائي يصلون إلى ما يصبون إليه"، مشيرة إلى أن أبناءها دائمو التواصل معها، واصفة إياهم بأنهم من "المرضيّين"، غير أنها تشعر في عيد الأم، تحديدا، بلذة مغايرة عن كل الأيام.
وتؤكد رويدا أن أبناءها هم من حببوها بالحياة، وجعلوا لحياتها معنى ورونقا "عندما أراهم أخاف من الموت، وأتمنى أن أعيش طويلا حتى أبقى بينهم، ولو أن الأمر بيدي لمنحتهم كل ما أملك، حتى عقلي وطاقتي"، مبينة أنها استطاعت، (وبحمد الله) أن تزرع في نفوسهم قيما ومبادئ رفيعة تشهد ثمارها جلية في عيد الأم.
ولا يختلف حالها عن الستينية جميلة العايد، التي تعتبر هذا اليوم "يومها" بحق، لا سيما عندما ترى أبناءها وأحفادها "معجوقين في تحضير السهرة وإعداد الحلوى"، مبينة أن جل ما يرضيها في هذا اليوم، هو "شوفتهم حولي اللي بتسوى الدنيا وما فيها"، منوهة إلى أن ما يقدمونه من هدايا في هذا اليوم يعني لها الكثير، لكنها لا تشترط عليهم أن يحضروا شيئا.
وتضيف أنها، في المقابل، في عيد الأم، لا تتوانى عن الاتصال بوالدتها والذهاب إليها، لا سيما، وأنها تقدر أهمية هذا اليوم، كما تعيش تلك الفرحة الغامرة التي ينثرها أبناؤها في هذا اليوم.
"الأم مكرمة من عند الله، ولها قدسيتها الخاصة عند الأبناء" ، تقول الستينية نوال الحنيطي، التي ترى أن الأم هي "سند البيت"، موضحة أن نجاح البيت وفشله يرتبطان بها، وأن دور الأب لا يقل أهمية عن دور الأم، لكنه يأتي بعدها.
وعن روحانية هذا اليوم، يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور منير كرادشة، أن الأم تمارس أدوارا إيجابية تجاه أبنائها، الذين يستمدون الحنان والدفء منها.
ويضيف كرادشة أن دور الأم لا ينحصر بالإنجاب فقط، بل بالتنشئة والتربية والمد العاطفي، مشيرا إلى أنه كلما ازداد حب الأم واهتمامها، كان لذلك أثر كبير يزيد من مكانة الأم عند أبنائها، لا سيما وأن ما يربطها بهم هو علاقة روحية، متينة للغاية.
ويضيف أن علاقة الأبناء بالأم تخضع لسلطة وجدانية، تأتي من باب التناغم مع الحب الخالص، ليس خوفا منها، بل خوف من غضبها، ما يضفي على تلك العلاقة هالة من الروحانية والقداسة.
ويؤكد كرادشة أن قداسة الأم تزداد كلما كان دورها إيجابيا في حياة أبنائها، معتبرا إياها محورا مهما في حياة ابنها، خصوصا تلك الأمهات اللواتي يمارسن أمومتهن بروحانية ووجدانية، ليرين نتاج تلك التربية فخرا وأملا في نفوس أبنائهن.
"الأجيال الجديدة مرآة تعكس وجدانية الأم"، بحسب كرادشة، منوها إلى تلك الأم التي لطالما ضحت وتعبت في تربية أبنائها وتنشئتهم، بما يرضي الله، لتضخ للمجتمع أجيالا ناشئة، يفتخر بهم مستقبلا.
"فقدت زوجي مؤخرا، ويسعدني التفاف أبنائي وأحفادي من حولي، فهم من يهونون علي مرارة الأيام"، بحسب الجدة نوال الحنيطي، مشيرة إلى أنهم، في كل جمعة، يجتمعون في بيتها منذ الصباح، ويقضون اليوم بأكمله معها، مشيرة إلى تلك الفرحة التي تغمرها بمعيتهم، وتقول "أنتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر، وأشتاق إليه أكثر من عيد الأم، فأحفادي يحتفلون بي مرة في كل أسبوع بدلا من مرة واحدة في السنة".
وتضيف "أستمد فرحتي من فرحة أحفادي، الذين يأتون عندي في هذا اليوم مع أهاليهم، وقد أحضروا إلي ما صنعت أيديهم"، مؤكدة أن وجودهم حولها في هذا اليوم، يعد أهم شيء بالنسبة لها، وأن ما تبقى لا تعيره أي اهتمام.
وتصر نوال، كعادتها، على رفض الهدايا التي ينوي أبناؤها شراءها لها، لاسيما تلك الأشياء التي لا حاجة لها بها، وتكلفهم الكثير من المال.
وتزيد "أفرح كثيرا بتلك الهدايا البسيطة التي يحضرها لي أحفادي، والتي يصنعونها بأيديهم"، وتتضمن لوحات يرسمونها بأنفسهم، ويكتبون عليها عبارات معايدة، وكلمات تبين مدى حبهم وفخرهم بها، مشيرة إلى أن أثمن الهدايا بالنسبة لها، عندما قدم لها حفيدها صورة زوجها، وقد كتب تحتها عبارات رثاء له، فضلا عن "مساكات" للمطبخ، وغيرها من نتاجات أيديهم البسيطة، التي تفتخر بها كثيرا.
وعن الأثر النفسي لهذا اليوم على نفسية الأم، يوضح اختصاصي علم النفس الدكتور محمد الحباشنة، أن الأم، في عمر متقدم، تصحبها كثير من المشاكل، وتتعرض لعوامل عدة تفقدها البهجة، فقد يرافق هذه المرحلة فقدان الشريك أحيانا، وغياب الرفيقات لأسباب عدة، فضلا عن مشاكل الصحة الجسدية .
ويضيف الحباشنة أن هناك تغيرات اجتماعية تتعرض لها العائلة، حين تبدأ نووية ثم تزداد، ولذا يمثل عيد الأم مناسبة لاجتماع العائلة، بكل أفرادها، من أبناء وبنات وأحفاد، الأمر الذي يدخل البهجة والسرور إلى قلب الأم، لا سيما عند رؤيتها لتلك الأجيال التي تعبت عليها وربتها.
ويقول إن يوم الأم يرفع المعنويات، ويعيد حالة الود والوئام، ويكسر العزلة الاجتماعية، لا سيما عند النساء المتقدمات في السن.
ويأسف كرادشة لوجود بعض النساء اللواتي يفتقدن تلك الوجدانية التي تمتاز بها الأم، والروحانية التي تصبغ علاقتها بأبنائها، واقتصارها على دور المنجبة فقط، فتسيطر عليها الأنانية، وتعتبر، في هذه الحالة، تهديدا حقيقيا يعري جذور العائلة.